باب
تعظيم حُرمات المُسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
شرح
العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله
شرح
حديث / من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله
أحاديث
رياض الصالحين: باب تعظيم حُرمات المُسلمين وبيان حقوقهم والشفقة عليهم ورحمتهم
٢٣٦ - وعن أَبي قَتادَةَ الْحارِثِ بنِ ربْعي
-رَضِّيَّ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ:
«إِنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاةِ وَأُرِيدُ أَنْ
أُطَوِّل فِيها، فَأَسْمعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجوَّزَ فِي صلاتِي
كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» رواه البخاري.
٢٣٧ - وعن جُنْدِبِ بن عبداللَّه -رَضِّيَّ
اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: «مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّه،
فَلا يَطْلُبنَّكُم اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ
مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدرِكْه، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وجْهِهِ في نَارِ
جَهَنَّم» رواه مسلم.
الشرح:
ذكر
المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب الرفق بالمسلمين فيما نقله عن أبي قتادة الحارث
بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ
أنه قال: «إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها
فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه»، هذا الحديث من النماذج
التي تدل على رحمة النبي ﷺ بأمته، كما وصفه
الله تعالى به في قوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]، فهو يدخل في
صلاة الجماعة يريد أن يطيل فيها، والمراد الإطالة النسبية، ليست الإطالة الزائدة
عما كان يفعله من قبل، فإذا سمع بكاء الصبي أوجز وخفف مخافة أن يشق على أمه؛ لأن
أمه إذا سمعت بكاءه فإنه يشق عليها أن تسمع بكاء ابنها، وربما يشغلها كثيرًا عن
الصلاة، فيخفف عليها -عليه الصلاة والسلام- لأجل ذلك.
ففي
هذا الحديث فوائد منها:
أولًا:
رحمة النبي ﷺ بأمته وشفقته عليها.
ثانيًا:
جواز حضور النساء إلى المساجد ليصلين مع الجماعة، وهذا ما لم تخرج المرأة على وجه
لا يجوز، مثل أن تخرج متعطرة أو متبرجه، فإن ذلك لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ قال: «إيما امرأة
أصابت بخورًا فلا تشهد معنا صلاة العشاء».
ثالثًا:
جواز إدخال الصبيان المسجد، هذا إذا كان صبيها معها، وإن كان خارج المسجد قريبًا
منه فليس فيه دلالة، لكنه يصعب أن تسمع المرآة بكاء صبيها في البيت وهي في المسجد،
فالظاهر أن صبيانهن كانوا معهن فيكون فيه دليلٌ على جواز إدخال الصبيان المساجد،
لكن بشرط أن لا يحصل منهم أذية لا على المسجد ولا على المصلين، فإن كان يخشى منهم
أذية على المسجد كتلويثه بالبول والنجاسة؛ فإنهم يمنعون، وكذلك إذا كان يخشى منهم
التشويش على الناس بالصراخ والركض والجلبة، فإنهم يمنعون أيضًا، أما إذا لم يكن
منهم بأس؛ فإنه لا بأس أن يؤتى بهم إلى المساجد.
وأما
حديث: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم» فهو ضعيف.
رابعًا:
أنه يجوز للمصلى أن يسمع ما حوله ولا يلزمه أن يسدّ أذنيه، بل له أن يسمع، لكن إن
كان ما حوله يشوش عليه إذا سمعه فلا يصلينَّ حوله وإنما يبعد، كما لو أراد الإنسان
أن يصلي في المسجد وحوله حلقة ذكر أو حلقة قرآن، ويخشى أن يشوشوا عليه إذا دنا
منهم، فليبعد، وأما إذ لم يشوشوا فلا بأس أن يسمع بخلاف الاستماع فإن المصلي لا
يستمع إلا إلى قراءة إمامه.
وعلى
هذا إذا كنت تصلي وجاء القارئ يقرأ حديثًا أو موعظة، فلا تشد سمعك إليه، لا تستمع؛
لأن هذا غير مشروع، ولا تجعل تركيزك معه، أما إذا سمعته ولكنك ماضٍ في صلاتك لم
تهتم به ولم تلتفت إليه فلا بأس.
خامسًا:
أنه يجوز للمصلي أن يغير نيته من تطويل إلى تخفيف أو بالعكس، إذا وُجد سبب لذلك؛
لأن النبي ﷺ كان
يدخل في الصلاة يريد أن يطيلها فيخفف.
فإذا
دخل الإنسان في صلاته وهو يريد أن يطيل، ثم جاءه شخص وقال له: عند الباب ضيوف أو
ما أشبه ذلك؛ فلا بأس أن يخفف ليذهب إلى ضيوفه كما كان الرسول -عليه الصلاة
والسلام- يفعل هذا.
سادسًا:
أنه لا حرج على الإنسان إذا شق عليه بكاء ابنه أو ما يؤذي ابنه من المٍ أو شبهه؛
لأن هذا من الأمور الفطرية الطبيعية، فإن كل إنسان يشق عليه أن يسمع بكاء أبنه؛ بل
إن من الناس من يشق عليه أن يسمع بكاء الصبي مطلقًا حتى ولو لم يكن أبناء له رحمة
بالصبيان، ولا شك أن الرحمة بالصبيان ومراعاتهم واتقاء ما يؤذيهم من أسباب الرحمة،
كما قال النبي ﷺ
من قبل: «من لا يرحم الناس لا يرحمه الله» و«الراحمون يرحمه الرحمن» و«إنما
يرحم الله من عباده الرحماء» وأشباه هذه الأحاديث، فكون الإنسان يشق عليه
بكاء الصبيان رحمة لهم، لا شك أن هذا من الخلق المحمود؛ لأنه رحمة بهؤلاء الصغار
الذين هم أهل للرحمة، والله الموفق.
ثم
ذكر المؤلف -رحمه الله- حديث جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي ﷺ قال: «من صلى الفجر
فهو في ذمة الله»، الفجر هي الصلاة الأولى عند بعض العلماء.
وعند
بعض العلماء أن الصلاة الأولى هي صلاة الظهر، لكن الأصح أن الصلاة الأولي هي صلاة
الفجر، والثانية: الظهر، والثالثة: العصر، وهي الوسطى، والرابعة: المغرب،
والخامسة: العشاء.
وصلاة
الفجر تأتي وكثيرٌ من الناس نيام، ولهذا يتكاسل عنها المنافقون، كما قال النبي ﷺ: «أثقل الصلاة على
المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبوا»،
وهي وصلاة العصر أفضل الصلوات الخمس؛ لقول النبي ﷺ:
«من صلى البردين دخل الجنة». والبردان هما:
الفجر والعصر؛ لأن الفجر براد الليل، والعصر براد النهار، وقوله: «من صلى الفجر» ظاهره من صلى في جماعة أو غير جماعة.
وقوله:
«فهو في ذمة الله» أي: في عهده، يعني: أنه دخل
في عهد الله فكأنه معاهد لله عزّ وجلّ، أن لا يصيبه أحد بسوء، ولهذا قال عليه
الصلاة والسلام: «فلا يطلبنكم الله في ذمته بشيء»
يعني: لا يترك عهد على من صلى الفجر؛ لأنه في ذمة الله وفي عهده، فإياكم أن يطلبكم
الله تعالى، من ذمته بشيء، «فإنه من يطلبه من ذمته
بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في النار».
ففي
هذا دليلٌ على أنه يجب احترام المسلمين الذين صدقوا إسلامهم بصلاة الفجر؛ لأن صلاة
الفجر لا يصليها إلا مؤمن، فالمنافقون لا يشهدون الجماعة، ولا يصلون الفجر أبدًا؛
لأنهم إنما يصلون مراءاة للناس، فإذا لم يكن الناس ينتبهون لهم، فإنهم لا يصلون.
والفجر
في عهد النبي ﷺ ليست كالفجر في يومنا هذا، بل
كان الليل في عهد النبي ﷺ ليلًا حالكًا لا
يُرى الناس فيه، فيأتي الإنسان ويذهب وهو لا يُعرف، لكن ليلنا الآن -ولله الحمد-
كنهارنا بما أنعم الله علينا به من هذه الإضاءة بالكهرباء، لكنها في عهد النبي ﷺ لظلمتها ومشقتها؛ كان المنافقون لا يصلون الفجر
والعشاء جماعة.
والحاصل
أن هذا الحديث يدل على وجوب احترام المسلمين الذين برهنوا على إسلامهم بصلاة
الفجر، وإنه لا يجوز لأحد أن يعتدي عليهم. والله الموفق.
الحمد لله رب العالمين
اللهُم ارحم مَوتانا مِن المُسلِمين واجمعنا بهِم فيِ
جَنّات النَعيمْ
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
مواضيع ذات صلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق